كلمة واحدة لو كانت تفي بقضاء الأمور لكانت اغنتني عن مئات الكلمات وآلاف الحروف، كلمة واحدة، لكن لا توجد كلمة واحدة تكفي لوصف كل شيء، مع أني أعرف كلمة واحدة يعود إليها كل شيء، هي الله، فبسم الله…
من الموجة التي تلامس شاطئ الرؤوس الجبلية إلى النسيم الذي يداعب أشجار الوديان وقمم الجبال والصحاري، إلى البساتين المثمرة، السلام عليكم أجمعين.
ما يحدث اليوم في عمان متوقع منذ ٢٠١١، لا غريب في ذلك، ومن لم يره قبل اليوم، عليه مراجعة مرتكزات رؤيته، المشكلة معروفة والبحث عن حلول، والحلول واضحة ولا تحتاج زيادة تنقيب إلا إذا شئنا ألا نضع الحلول في موضعها لأسباب أخرى، وحينها على المسؤول منا تقع النتائج.
عمان أمانة وطنية، توارثتها الأجيال المختلفة، لها إطارها الناظم المتفق عليه منذ قرون، وفي ظل العالم المعاصر والإمكانيات المتاحة كان يجب أن تولد عمان معاصرة لها القدرة والكفاءة على توفير الأمن والاستقرار لكل ابنائها والمقيمين على أرضها، وكل يؤدي عمله حتى تتبارك البلد ومواردها بالناس وخيراتهم، دون خطاب عنصرية فئوي لا داخلنا ولا خارجنا، فكل عامل تتبارك بعمله البلاد ويزجى له الشكر والاحترام، وكل متكاسل لا نصيب له من الخير وجزاؤه من جنس عمله، وتعاون الكل وتكاتفهم وتعزيز ثقتهم ببعضهم هو طريق تحقيق الخير العام وبلوغ فضل الأرض وفضائلها للأجيال القادمة، ولا يفترض بأي جيل من الأجيال أن ينسى هذه الأمانة المشتركة ورسالته، وهي العمران لما فيه خير الأرض، وخير الأرض من خير الناس.
المشكلة اليوم قائمة في عجز، أو امتناع، الاقتصاد الوطني عن توفير فرص عمل موازية لزيادة أعداد السكان، وهي الزيادة التي تحتمها الوفرة الاقتصادية والنماء الاقتصادي، وللبحث عن حلول المشكلة لابد من العمل على تحرير الاقتصاد الوطني من عجزه، والبحث عن المستهلك الأكبر لعوائد الاقتصاد الوطني وتحرير ما أمكن من تلك العوائد لصالح تنمية اقتصاد وطني حر قائم بذاته قادر على خلق فرص عمل سنوية حقيقية مستدامة لقوى العمل الوطنية، هذا هو خط الحل الاقتصادي المعروف لدى أبسط المعنيين بالاقتصاد.
مشكلة البطالة أو كما يسميها بعضهم “الباحثين عن عمل”، مشكلة تؤرق الكثير من الحكومات حول العالم، وبالنسبة لدولة معاصرة تتولى وفق النظام الحديث مسؤوليات اجتماعية عديدة، فإن كل فرد عاطل أو باحث عن العمل من المجتمع يجب أن يكون تحت غطاء تأمين اجتماعي وأمان يوفر له موردًا ماليًا متناسبًا مع احتياجاته المادية الأساسية إلى أن يجد أو يوجد له عمل. وهذا هو خط الحل المباشر والمعروف لدى أبسط المعنيين بمشاكل البطالة.
تقديم وتأخير الأولويات والالتزامات يبنى على تمييز درجات الأهمية للقضايا الملحة، وحين يكون الشباب في الشارع فإن الأولوية الملحة هي حل هذه الازمة مهما كانت التكاليف المترتبة على ذلك، فإن الجميع يعرف الحلول اللازمة للمشكلة، وهي حلول تبسيطية هنا، تتجاوز التعقيد الذي ينظر به عادة إلى الأمور، لأن الملحّ الأن هو الحل السريع للمشكلة.
من جهة أخرى فإن السؤال الذي يبرز أمامنا هو لماذا إلى يومنا هذا لا يستوعب النظام الشباب بحيث يجدون قنوات حقيقية يطرحون فيها مشاكلهم بدلاً عن الشارع، ولماذا يعجز النظام كل هذا الوقت عن توفير قنوات تمثيلية تغرس الثقة في الشباب بجديتها وعنايتها واهتمامها بحل مشاكلهم المختلفة، كي لا يتكرر هذا المشهد الذي يجد فيه الشاب نفسه عرضة للوقوف في الشارع للمطالبة بحل مسألة مثل مشكلة البحث عن وظيفة، وجزء من الحل يكمن في المجالس التمثيلية وفعاليتها وصلاحياتها النيابية وقدرتها على المساءلة، ومدى ثقة الناس في مستوى تمثيلهم في أجهزة الدولة مقابل تمثيل الحكومة، وجزء آخر في حرية الصحافة والإعلام ونقل نبض الشارع والرأي العام.
وجود الشباب في شوارع عمان اليوم يعبر عن إلحاح الأزمة وأولويتها، وكونهم في الشارع هو ردة فعل لطريقة إدارة أزمة الباحثين عن العمل، والتي خيم ظل انفجارها الوشيك على السنوات الماضية، مثل ما أن ظلالًا جديدة تنسجها قرارات التقشف الأخيرة، وحال الشباب اليوم ليس خيارًا اختاروه بمحض الإرادة، وكل فرد منهم ككل واحد منا عنده نفس الأولويات لسلامة الوطن واستقراره وأمانه، ولا تقوم لمطالباتهم قائمة إلا عبر تلك السلامة والاستقرار، وعبر ثقتهم في قدرة النظام على الحل، والثقة تامة في انهم أهل للثقة، مثلما هي الثقة في قدرة النظام على إيجاد حلول سريعة مرضية للأزمة الراهنة، والثقة هي بغيتنا الكبرى جميعًا في هذه المرحلة.
وإذا كان من وصية يتواصى بها الشباب المعتصمون اليوم فهي التزام أسس المبدأ السلمي الحضاري للمطالبة وعدم قطع الطرق، والحذر الشديد من أي نزعة تخريبية، وعزلها فورًا، لأنها بطبيعتها تدمر مشروعية مطالبهم، وتضعهم في مواجهة غير مرغوبة مع التدخل الأمني، وحرية وسلامة كل واحد منهم جزء لا يتجزأ من حرية وسلامة الوطن ككل.
يحفظ الله هذا الوطن وأهله ويرعاه للخير.