hacklink al hack forum organik hit Z-LibraryZ-Libraryhttps://tr-vivicasino.com/IQOS HEETSmarsbahisvozoliqosiqosvozolMarsbahis TWİTTERTeknoloji ekibi tm2celtabetmarsbahis giriştaraftarium24selçuksportscasibomsuperbetincasibomcasibom girişdeneme bonusu veren sitelerdeneme bonusu veren sitelerxeno executordeneme bonusu veren sitelercasibom güncel girişcasibom güncel girişaviator hilesisahabetcasibomcasibomsahabet girişcasibom girişdeneme bonusu veren sitelerdeneme bonusu veren sitelermatbet girişhitbetmarsbahis girişcasibomselcuksportsbettilt giriştaraftarium24betwoonselçuksportsdeneme bonusu veren sitelerbahis sitelerijustin tv izlekmar sitelericasibom girişcasibom güncel girişbahiscasinograndpashabetMatadorbet Twitteronwinultrabetultrabetultrabetcasibomedudeneme bonusu veren sitelercasibom matadorbetcasibommeritkingbetturkeyholeyydeneme bonusu veren sitelerdeniz taşımacılığıMarsbahis Girişcasibomextrabet girişextrabetMilanobetAnkara Escortjackbetcasinolevantcasibom girişpadişahbetdumanbetmarsbahiscasibommarsbahisBetkanyoncasibomcasibomjojobetistanbul escortcasibommatadorbet girişmatadorbetbetturkeydeneme bonusu veren sitelermatadorbet2024 deneme bonusu veren sitelerMarsbahis GirişmegabahisKolaybetKolaybetTeknoloji ekibi tm2jackbetselçuksportsjustin tv izlecasibom güncel girişcasibom girişcasibomcasibom güncel girişcasibom girişcasibomtipobet girişsüpertotobetbeylikdüzü escortGrandpashabetDeneme Bonusu 2025Grandpashabetcasibommadridbetmariobetmeritkingpusulabetonwinbahis sitelerideneme bonusuyabanci dizi izlehdfilmcehennemihdfilmcehennemiMobil Ödeme Bozdurmaekrem abi sitelercenabetbetpuanmatadorbetgrandpashabetdinimi binisi virin sitilir sexcasibom casibom girişselçuksports1wintürk porno izlejojobetcasibomAnkara escortSakarya escortKocaeli escorthttps://restauranttome.com/Casibomcasibommarsbahisetorobetcasinogalata girişBets10 TWİTTERMobilbahis TWİTTERSahabet TWİTTEROnwin TWİTTERMeritbet TWİTTERHoliganbet TWİTTERMatbet TWİTTEROtobet TWİTTERBetebet TWİTTERGalabet TWİTTERvirabet451marsbahisdumanbetsahabet girişcasibomextrabetextrabet girişhttps://www.flowerwyz.com/Jojobetnakitbahisdumanbettipobetdinamobetvaycasinoultrabetmadridbettrendbetbetebetbetkanyonjojobetmeritbetkingroyal twittermadridbetmatadorbet twittermeritking twittermeritking girişkulisbetsahabetmatadorbetkingroyalmatadorbetmarsbahisotobetmatbet twittertipobet twitterjojobetjojobetjojobetgrandpashabet twittersahabet twitteronwin twittermatbet twitterkralbetonwinmatadorbetmatadorbet twittermatbetonwinbets10imajbetcasibom güncel girişBizbet Giriştümbetstarzbetcasibomjojobetjojobetjojobetcasibomcasibom girişcasibomcasibomdumanbetkryptoguncel.com.trdogesevenler.com.trjojobet girişjojobet girişPhilip Capitalextrabetcasibomcasibomcasibom girişcasibomcasibom girişcasibomjojobetcasibom girişCasibom girişmarsbahismarsbahis girişmarsbahis güncelizmir escortantalya escortcasibom girişcasibomtipbetbahislion,bahislion girişmatbetmaltcasinobetgarantideneme bonusu veren sitelercasibomCASİBOMpinbahis girişTipobetcasibom girişCasibomcasibom güncel girişmavibetgalabetparibahisbetnanosultanbetparibahisbetparkmeritbetbetsmovegoldenbahisaresbetTümbetlunabetmilanobetbetmarinobetmarinosultanbethttps://xmlsearch.yandex.ru/search/touch?lr=87&noreask=1&ncrnd=21713&rq=1&text=seo+hizmeti+site%3Aseokaos.com&src=rec&serp-reload-from=rec_bottomcasibomgiftcardmall/mygiftimajbetsahabetmarsbahissekabetonwinmatbetimajbetmeritbetсмотреть любительское порноjojobetjojobetjojobetonwinsahabetmarsbahisultrabetdumanbet güncel girişcasibomholiganbetjoker card balancegalabetmarsbahisonwinmeritbetbetmoonhiltonbetartemisbetsekabetvaycasinoimajbetmatbetsekabetmarsbahissahabetparibahiscasibomcasibom twitterdizipalcasibom twittergooglegooglegooglemarsbahismarsbahismarsbahissahabetjojobetjojobet twitterjojobet twitterjojobet twittersekabetmatbetpusulabet güncel girişpusulabet güncel girişpusulabet güncel girişpusulabet güncel girişpusulabet güncel girişpusulabet güncel girişvbetgiftcardmall/mygiftvbet111222 giriş33344455566677788899910aaabbbcccdddeeefffbetcupsahabetngsbahis

سيرة المسلمين: تقاليد الحكم والسياسة في عُمان (العمران/الاجتماع)

نظاما الإمامة والملكية تعاركا في المائتي سنة الأخيرة، ولم يعد أحد منهما يسمع للآخر، وكل منهما صار يتصور أنه ممثل الحقيقة الدامغة، وصراعهما ساهم في إضعاف الوطن وفتح الباب مشرعاً للتدخلات الأجنبية، لذلك لم تكن إشكالات البنية الاجتماعية وتفاقم آثارها السلبية حاضرة في أولويات الطرفين المشغولين بصراع الهيمنة السياسية.

النظام الأساسي لسلطنة عُمان
المادة (10) : المبادئ السياسية…
ج. إرساء أسس صـالحة لترسيخ دعائم شـورى صحيحة نـابعة من تـراث الوطن وقيمه وشريعتـه الإسلامية، معتـزة بتاريخه، آخذة بالمفيد من أساليب العصر وأدواته.

ركزت سيرة المسلمين في عُمان في مراحل تأسيسها الأولى على تحقيق مفهوم العدل وحراسة الأخلاق في المجتمع، لذلك يندر الحديث في السيرة عن جوانب العمران، وتجد السير المختلفة تتحدث عن العدل وضرورة تحقيقه، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورة تطبيق الشورى، أما جوانب عمران الحياة فقلما يتم التطرق إليها، ويمكن عزو ذلك في القرون الأولى إلى بساطة الحياة في المجتمع وجمودها وعدم اطراد تطورها، وهذه الطبيعة المجتمعية تنعكس بدورها على صياغة السيرة وتطبيقها وكذلك على النظر الفقهي المتفاعل مع السيرة.
وتحديث المجتمع عبارة عن زخم مستمر ومتجدد للمجتمع في حراكه وتفاعله مع مكونات الحياة المختلفة، وبالتالي فإن هناك محفزات لهذا التحديث وكذلك هناك عوائق تكبح تسارعه الزمني.
كانت سيرة المسلمين باستمرار المحدد الأبرز في تكوين الخطوط العريضة للتحديث، وبالتالي إذا كانت السيرة تتطور وفق نظر نافذ في القرآن وعقل بالغ في الفقه فإن تحديث المجتمع يسير في الاتجاه الصحيح، أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإن هناك خللاً يجعل التحديث بطيئاً أو ضاراً بالبنية الاجتماعية، وهو ما يؤثر على المجتمع في مستقبل أيامه.
المجتمع العماني مجتمع متدين، تأسست ثقافته على الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل، فلا فصام نكد يعيشه بين القول والعمل في تعاليم القرآن؛ سواء كان على مستوى النظرية أو التطبيق، وهذا ما صنع من الثقافة المتوارثة التي تعلي من شأن العمل الصالح، وترى أن لا صلاح للدنيا ولا نجاة في الأخرى إلا به، وانعكست هذه الأفكار على مجمل الممارسة السلوكية في المجتمع.
ارتبط مفهوم العمران (تحديث المجتمع) في عُمان بالتفاعل مع سيرة المسلمين، وهذا التفاعل ينتج فقهاً يحكم علاقة الناس ببعضهم وعلاقتهم بالسلطة الحاكمة، ونفع هذا الفقه من عدمه يتحدد بالتفاعل المستمر مع آيات الكتاب وآيات الكون.
الدول التي قامت في عُمان وفقاً للأنظمة الثلاثة: الإمامة والملكية والمختلطة من الاثنين؛ كانت حريصة على الهوية العربية الإسلامية للبلاد، لكن تطبيقها للسيرة كان مختلفاً بحسب فهمها وتفسيرها للدين، الذي حكمته عوامل ترجع إلى معادلة العلاقة بين الدين والاجتماع البشري.
نظام الإمامة عبر تاريخه كان مخلصاً للقيم والعدالة والمساواة أمام القانون، لكنه انتُقد خاصة في العصور المتأخرة بقلة اهتمامه بالعمران وضعف عناصره الإدارية، التي كان معظمها من الفقهاء، ويرجع هذا إلى ضعف مناهج تكوين الفقيه.
أما النظام الملكي فيتميز بأنه الأكثر واقعية وقدرة على التعامل السياسي مع المكونات الداخلية والخارجية، لذلك لوحظ طول مدة الدول الملكية في العصور المتأخرة مقارنة بقصر عمر الإمامة، لكن النظام الملكي في العصور المتأخرة بحسب المنتقدين:
– وطد علاقته مع بعض القوى الأجنبية، وهذا ما يخل في نظرهم بالسيادة الوطنية.
– لم يطبق الشريعة تطبيقاً كاملاً خاصة في الفقه الجنائي؛ كعقوبات قطع جارحة السارق ورجم الزاني المحصن وجلد متعاطي الخمر.
والنظام المختلط كدولة اليعاربة، كان أداؤه أفضل في تحديث المجتمع، بالجمع بين العمران والمحافظة على القيم بقدر الوسع والاستطاعة(1 )، لكن هذا النموذج كان الأقل حضوراً في التاريخ العماني.

البنية الاجتماعية والسيرة
انتصرت نصوص سيرة المسلمين منذ نشأتها لمبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وحذرت من عواقب العصبيات والحميات الجاهلية التي تعلي من شأن الانتماءات الضيقة على حسب الانتماء إلى المبادئ، ففي عهد الإمام الصلت بن مالك لأحد ولاته: (وأن تعمل بالعدل في الرعية وأن تقسم بينهم بالسوية…واجعل الناس عندك في الإنصاف سواء…فمن كان من الله وُجِد فيه نعت الله للمؤمنين، وأزاحهم عن العصيان والحميات، فإنها من صفات الجاهلية، فأنهه عن ذلك وقدم فيه وأخمد ذلك واطفئه؛ وحذرهم الفتنة والبغي والضغائن والفساد والحقد والهمز واللمز لبعضهم البعض، فإن ذلك يورثهم الإحن فيما بينهم، وترك ذلك عون لهم على سلامة الصدور وصلاح ذات البين)(2 ).
ورغم الطرح الإنساني الأخلاقي للسيرة في هذا الموضوع؛ إلا أن البنية الاجتماعية بطبيعتها (القبلية/المناطقية) كانت تفرض واقعاً آخر عانت البلاد من آثاره السلبية في فترات من تاريخها، والانتماءات القبلية والمناطقية في ممارسة السياسة انتماءات ضيقة تتنافى مع الانتماء الجمعي الذي يقدمه الدين بقيمه الأخلاقية الإنسانية، وهو كذلك يساهم بشدة في خلق حالة من الاستقطاب الحاد بين أفراد المجتمع، وهذا ما ينذر بخطر داهم عليه، وكان العامل القبلي المناطقي الأبرز في إشعال لهيب كل الحروب الأهلية المدمرة في عُمان.
في القرن الثالث الهجري كان عنوان الحرب الأهلية (النزارية/اليمانية) وأخذت في الوقت ذاته بعدها المناطقي.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي كان عنوانها (الغافرية/الهناوية) واعتركت المناطق المختلفة تحت هذا العنوان.
في المائتي سنة الأخيرة من تاريخ البلاد قل أن تجد مجموعتين قبليتين إلا وبينهما قتل وعداوة وبغضاء( 3)، هذا إذا أخذنا في الحسبان أيضاً: العرقية والمذهبية، مما يزيد في تعقيد معادلة الاجتماع البشري.
لم تقم عملية تفكيك لهذه البنية وإعادة تركيبها من جديد من أحد من الأنظمة الثلاثة في تاريخ سيرة المسلمين، فظلت باستمرار تعيش بتقاليدها الموغلة في القدم؛ بخيرها وشرها، وكانت جوانبها السلبية سيفاً مصلتاً على مستقبل البلاد، وهاجساً مقلقاً للجميع، لقد كان الاجتماع البشري أقوى بكثير في عُمان من السيرة ومبادئها.
النظام المختلط ممثلاً في دولة اليعاربة استطاع العبور بالبلاد من مرحلة الانقسام والتشرذم إلى الوحدة السياسية، واستطاع طرد المستعمر الأجنبي، وقام بعملية تعمير شاملة للبلد، بحيث كانت أكبر عملية تعمير مرت بها عُمان منذ قرون، من إنشاء مدن جديدة وشق للأفلاج وبناء للحصون والقلاع وزراعة الأرض بشتى المحاصيل، وجلب أصناف من النباتات من خارج عمان، بالإضافة إلى تشكيل جيش وطني على الطراز العصري( 4).
إشكال البنية الاجتماعية لم يكن غائباً تماماً عن ذهن اليعاربة، فقد قاموا ببعض الإجراءات الاستثنائية لمواجهة الإشكال الاجتماعي المؤثر سياسياً، فقد حظر الإمام ناصر بن مرشد على بعض القبائل بناء الحصون وحمل السلاح واستخدامه، ودمر قلاعهم وأبراجهم، كل ذلك من أجل حفظ السلم والأمن المجتمعي من قوى اجتماعية ذات نزعة عسكرية، وظلت تلك الإجراءات سارية فترة طويلة من عمر الدولة اليعربية( 5).
لكن الإشكال الاجتماعي كان عميقاً للغاية لا تستطيع أية إجراءات استثنائية احتواءه، ورغم تحذير الفقه من كافة العصبيات والتحزب لها، إلا أن موجة الاجتماع البشري كانت عاتية، وتستلزم ما هو أكبر من التحذيرات الفقهية، وبالفعل قامت الحرب الأهلية في عمان أواخر العهد اليعربي، وأنهت معها وجودهم في الحكم.
أتصور أن دولة اليعاربة وغيرها من دول المنطقة لم تع أن هناك تغيراً هائلاً كان يحدث في العالم، وتحديداً في أوروبا، وجوهر هذا التغير كان في رؤية العالم والفلسفات الجديدة في إصلاح النظم السياسية والدينية والاجتماعية، وكان هذا مؤذناً بصعود كوني للغرب، بينما كانت الشعوب المسلمة في تلك الحقبة تعيش حالة من التخلف المعرفي بسبب تراكمات تاريخية أفقدتها القدرة على التواصل مع آيات الكون؛ كما فقدت قبلُ تواصلها مع آيات الكتاب بفعل الثقافة الأخبارية التي هيمنت على المشهد.
نظاما الإمامة والملكية تعاركا في المائتي سنة الأخيرة، ولم يعد أحد منهما يسمع للآخر، وكل منهما صار يتصور أنه ممثل الحقيقة الدامغة، وصراعهما ساهم في إضعاف الوطن وفتح الباب مشرعاً للتدخلات الأجنبية، لذلك لم تكن إشكالات البنية الاجتماعية وتفاقم آثارها السلبية حاضرة في أولويات الطرفين المشغولين بصراع الهيمنة السياسية.
في عهد الإمام عزان بن قيس (1868-1871م) استطاعت الإمامة أن تزيح السلطنة الملكية مؤقتاً، رغم انتماء الإمام الجديد إلى البيت السلطاني الحاكم، استطاع الإمام توحيد جزء كبير من القطر العماني تحت راية واحدة، وحرر واحة البريمي من الوهابيين(6 ).
لكن إشكالات البنية الاجتماعية التي لم يُلتفت إليها كثيراً أطاحت بالدولة الناشئة، فأغلب عناصرها القيادية كانت من التحالف القبلي الهناوي( 7)؛ مما أوغر نفوس التحالف القبلي الغافري، وبحسب السالمي (كانت الغافرية من سوء رأيهم يرون أن الدولة قد صارت للهناوية، فأضمروا العداوة للإمام ومن معه إلا من عصمه الله منهم)(8 )، ويرى أحمد بن سعود السيابي أن الإمام عزان ومن معه من المشائخ اتبعوا أسلوب الشدة في التعامل مع شيوخ القبائل بقسميها الغافري والهناوي، مما جعل تلك القبائل تنفر عن الإمام، وهؤلاء هم الذين قادهم تركي بن سعيد أو ضمن حيادهم ليسقط دولة الإمام عزان، ويستعيد حكم السلطنة من جديد( 9).
وبعد أكثر من 40 سنة من سقوط دولة الإمام عزان عادت الإمامة إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة ركز دعاة الإمامة على موضوع لم شمل الحلفين: الغافري والهناوي في مواجهة السلطان فيصل، كي لا يتكرر ما حصل في عهد الإمام عزان، بوجود زعمائهم الكبار في واجهة الدولة، وقاموا كذلك بتحييد بعض حلفاء السلطان فيصل كقبائل بني بو علي في جعلان بزيارة قام بها شيخ الغافرية حمير بن ناصر النبهاني إلى جعلان بني بو علي في أواخر سنة 1331ه، وطلب منهم الكف عن مناصرة السلطان فيصل، فوافقوا على عرضه( 10).
وكانت عوامل الاصطفاف القبلي خلف الإمامة متوافرة في منع تجارة الرقيق والسلاح الذي فرضه السلطا(11)، وهو ما يمس مباشرة مستلزمات البنية القبلية في ذلك الوقت( 12)، لكن تداعيات الأحداث كشفت بُعداً آخر لم ينتبه إليه المعارضون، وهو أن هذا التقسيم القبلي (هناوي/غافري) قد ضعف تأثيره مع الزمن، ولم يعد بتلك القوة والجاذبية في كل المناطق، لذلك صعد إلى السطح بعد آخر هو البعد المناطقي، فهناك مناطق أيدت المعارضين، ومناطق أخرى أيدت السلطان، ورغم محاولات المعارضين منذ سنة 1913م للاستيلاء على كافة المناطق التي تخضع للسلطة الفعلية أو الاسمية للسلطان، إلا أن جهودهم أخفقت، مما دفعهم إلى القبول بالصلح في اتفاقية السيب سنة 1920م، التي أسست لتقسيم البلاد من الناحية الفعلية، إلى أن انتهى الأمر في سنة 1955م، بسيطرة السلطان سعيد بن تيمور على كافة المناطق التي يحكمها نظام الإمامة(13 ).

الباروني في عمان
أتيحت لعمان تجربة تحديث خلال فترة الانقسام، وهي قدوم الباشا سليمان الباروني الليبي إلى عُمان سنة 1924م، وكان عضواً بمجلس المبعوثان للدولة العثمانية، وقاوم المحتل الإيطالي لبلاده، وحظي الرجل باحترام وترحيب السلطان والإمام.
وقد سعى الباروني لتأليف الكلمة بين السلطان تيمور والإمام الخليلي، لأنه أدرك أن الصراعات بين أبناء الوطن لن تجلب لهم الخير أبداً مهما كانت دعاوى امتلاك الحقيقة، وبفضل توجيهاته قام السلطان تيمور بإصلاحات شتى، وأدخل بعض الأنظمة الحديثة كتأسيس وتطوير مراكز للجمارك عن البضائع الأجنبية( 14).
وقد أوكل الإمام محمد بن عبد الله الخليلي للباروني باشا أمر تنظيم المناطق التابعة للإمامة تنظيماً عصرياً بما يتوافق مع الشريعة(15 )، وقد أصدر الإمام في ذلك البلاغ التالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم
من إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي؛ إلى جماعة المسلمين
ليعلم الحاضر الغائب أني فوضت الأمر في تنظيم المملكة تنظيماً صالحاً للشيخ الباروني، فبيده الملكية والعسكرية والمالية والسياسة الداخلية والخارجية، فمن يخالفه أو يقف في سبيل أعماله الإصلاحية يعاقب ولا يلوم إلا نفسه) ( 16).
فقام الباروني مبتدئاً بقلعة سمائل، فنظم دفاتر حصر فيها الذخائر الحربية، ونظم دفاتر العسكرية، ورسم للجيش خطوطاً عريضة وصرف له عنايته، فأخذ في تجديد السلاح له، ورأى أنه يحتاج إلى التدريب العسكري على النظام الحديث، بجلب ضباط من الخارج لبناء جيش عصري.
واشتغل بتنظيم المالية، فتولى بنفسه محاسبة الذين بأيديهم إدارة أملاك بيت المال، وقد كانت كلها لا يصل من وارداتها صندوق الإمام إلا شيء زهيد والباقي يوزع في الجيوب.
وكان من رأي الباروني باشا في سياسة الدولة التباعد عن معاداة أي دولة من الدول الأجنبية، والاشتغال بإصلاح الشؤون الداخلية للبلاد: علمياً واقتصادياً وصحياً ومدنياً وعسكرياً.
كان للباروني برنامج تحديث واسع للمجتمع، فكان ينوي -وفقاً للمراسلات التي كانت بينه وصديقه أبو اليقظان- أن ينظم سائر الدواوين تنظيماً عصرياً بما يجعل عُمان تضاهي الدول الحديثة في مقومات الحياة.
أما برنامجه الصحي فيقوم على بناء مستشفيات وجلب أطباء لها، وبدأ بالفعل بجلب الأطباء ممن تربطه بهم صداقة، وفي التعليم فقد أخذ في إنشاء مدرسة كبرى بسمائل، لتكون أول وأكبر مدرسة ثانوية بالبلاد، وقد صرف عنايته وجهوده لإنشائها وفقاً للمعايير الحديثة آنذاك، وكان يعتزم جلب المعلمين لها من البلدان العربية، وقد بنيت من هذه المدرسة لكن المشروع لم يكتمل(17 )، وكان يأمل من هذه المدرسة أن تشرق منها شمس العلوم، وتحي بها البلاد(18 ).
كان الباروني بأفكاره التنويرية وطموحاته التحديثية آخر طوق نجاة في تلك الفترة، لكن لم تكلل جهوده بالنجاح، ويرجع أبو اليقظان ذلك وفقاً للمعلومات التي كان يستمدها من رسائل الباروني، أن عموم رغبته في تحديث البلاد اصطدمت بفئتين:
1. الفئة الأولى: وتضم قادة اجتماعيين وفقهاء وقضاة، رفضوا نزعته التحديثية، وخاصة من كان منهم مسؤولاً عن الأوقاف التي كان يستغلها لنفسه على حساب المصلحة العامة، فما إن بدأت عملية التحديث حتى قيل إن هذه بدعة، أو هذا من عمل النصارى، أو لم نعهد هذا في آبائنا الأولين، وقد قام في سبيل إزاحة هذه العثرة بكتابة تقرير يطالب فيها بعزل ونقل عمال وقضاة هم حجر عثرة في طريق الإصلاح، فلم يوافق الإمام على ذلك، بل عزل بعضهم لكنه أعادهم بسرعة، وقرر الباروني كذلك تأديب بعض جباة عبثوا بأمر الزكاة، فالتجأوا إلى الإمام في نزوى فأعادهم( 19).
2. الفئة الثانية: من رحب بأفكار الباروني حول التحديث، من أصحاب المدارك والجيل الشاب وبعض القادة الاجتماعيين، وهؤلاء استقبلوا الأفكار بالترحيب النظري وقصائد الشعر والولائم وخطب المنابر! دون أن يكون لذلك أثر عملي( 20).
والمحصلة النهائية أن أفكار ومشروعات الباروني التحديثية ظلت تراوح مكانها دون أثر يذكر، رغم الصلاحيات الممنوحة له من الإمام الخليلي، ويبدو أن اليأس قد تسلل إلى قلب الرجل، وهذا ما يظهر من قراءة العديد من رسائله، ولم يطل المقام بالرجل كثيراً حتى وهن جسمه واشتد عليه المرض، ومات في رحلة علاجية بالهند برفقة السلطان سعيد بن تيمور(21 ).
ووفقاً لرسائل الباروني؛ فإنه يُرجِع هذه الممانعة لتحديث المجتمع إلى أن الثقافة السائدة في البلاد في تلك الفترة كانت تميل إلى النماذج والطرق الحياتية القديمة، وأنهم لم يهضموا بعد الأساليب الحديثة في الحياة لا سيما في التعليم، الذي كان يعتمد على التعليم في المساجد(22 )، ولم يعد أحد يتحدث من بعد عن مشروع لتحديث البلاد.
أما بالنسبة إلى السلطان سعيد بن تيمور؛ الذي حكم الجزء الأكبر من عُمان، وكان ممثلها في الخارج؛ شهدت الفترة الأولى من حكمه عدداً من الإنجازات، تمثلت في بناء مدارس عصرية في مسقط ومطرح وصلالة تخرج منها أعداد من الطلاب تولى كثير منهم مناصب قيادية في حقبة السلطان قابوس، وأنشئت في عهده بعض العيادات الطبية، ورصفت بعض الطرق وشقت طرق ترابية، وابتعث مجموعة من الطلاب إلى الخارج.
أما الفترة الثانية من عهده فقد شهدت جموداً وتوقفاً، ولعل ذلك يرجع إلى الاشتغال بالناحية العسكرية في حرب أنصار الأمامة، ومواجهة ثورة اليساريين في ظفار، مع قلة الموارد المالية آنذاك(23 )، والذي يظهر أن السلطان سعيد كان لا يرغب في فتح باب تحديث البلاد رغم اتصاله بالقوى الأجنبية وزياراته المتكررة لبلدان العالم؛ لسببين اثنين:
1. أنه كان يخشى على حكمه من الأفكار الوافدة، وهذا أمر حاصل بحكم التكوين البشري، وهذا ما نقله حسين غباش عن بعض الوثائق الأجنبية عندما قال السلطان لأحد مستشاريه الأجانب: (لقد خسرتم الهند لأنكم علمتم الناس)(24 ).
2. أن السلطان بحكم تركيبته الاجتماعية كان شخصاً محافظاً، يرى في تركيبة مجتمعه مثالية معينة ونموذجاً لا يريده أن يسحق تحت عجلات التسارع الزمني، والعالم كان يعج ويضج بالأفكار والممارسات التي كان يمكن أن تحول ذلك المجتمع المحافظ إلى كائن آخر، لذلك آثر العزلة عن العالم، ومن مظاهر هذه العزلة كثرة قرارات منع ممارسات كثيرة في هذه الفترة تنبئ عن تخوف مما يدور في العالم من حولهم(25 ).
نلاحظ من الأمثلة السالفة الذكر أن البنية الاجتماعية بإشكالاتها كانت سبباً رئيساً في عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والتخوف من التحديث، وأن السيرة بتاريخها العريق لم تستطع في القرون المتأخرة الصمود في وجه العصبيات بمختلف أشكالها.

آفاق مستقبلية
وطالما أن البنية الاجتماعية يتحكم بها بشكل رئيس عناصر: القبلية والمناطقية والمذهبية والعرقية؛ ستبقى هشة ويسهل تفتيتها، لذلك يلزم لقيام نهضة تحديثية حقيقية في البلاد تطوير البنية الاجتماعية، وهذا ما يتطلب تغييراً جذرياً في المناهج الفقهية التي تكون الفرد والمجتمع، وتطويراً في النظريات السياسية.
فالبنية الفقهية التي آل أمرها في الزمن المتأخر إلى تهميش القرآن لحساب الجمع (الروائي/اللغوي)؛ لا بد أن تتراجع لتفسح المجال لرؤية قرآنية تسع الكون والإنسان، وتعيد للبعد الإنساني الأخلاقي موقعه في حركة الحياة، ومع انحسار الرؤية القرآنية للإنسان والطبيعة والغيب كان لا بد أن تسيطر على الناس الانتماءات الضيقة التي تمثل مرحلة ما قبل القرآن.
والنظريات السياسية هي الأخرى لا بد أن تعلي من شأن الإنسان على مستوى النظرية والتطبيق، بحيث يضيق الخناق على الانتماءات الضيقة لصالح الانتماء إلى المبادئ والقيم والقانون، وهذا لا يتم إلا من خلال طرح يتغلل في كافة مفاصل الحياة؛ كالإعلام ومؤسسات التعليم والجهاز الإداري للدولة، بحيث تصبح هي الثقافة الجمعية.
وفي تجربة عمان الحديثة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس، عمرت مدن على أساس المواطنة وتعايش الناس مع بعضهم على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، الأمر الذي أضعف الانتماءات الاجتماعية الضيقة بدرجة ما، وأعلى من شأن القيم الجامعة والقانون الذي يحمي حقوق الأفراد، وقد نص النظام الأساسي لسلطنة عمان الصادر سنة 1996م على مبدأ: (المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العـامـة، ولا تميـيز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصـل أو اللون أو اللغـة أو الـدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي)( 26)، وهذا النص امتداد أصيل لسيرة المسلمين في مساواة المواطنين أمام القانون، وعدم التمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وهذا النص يحتاج أن ينتقل فعلياً إلى الواقع ويتغلغل في نسيج البنية الاجتماعية، وهذا ما يتطلب سعياً حثيثاً لتغيير مفردات البنية الاجتماعية.
وهذا ما ينبغي للمجتمع أن يضعه في خططه في قادم الأيام، وهو إنشاء مدن كبرى في مختلف المناطق يعيش فيها الناس على أساس المواطنة؛ لا تلك التجمعات الديمغرافية على أساس وحدة القبيلة أو المنطقة، مع بقاء انتماءات القبيلة والمنطقة معبرة عن واقع اجتماعي لا يمكن تخطيه أو تجاهله، وفي ظل هذا المناخ ستنشأ قوى اجتماعية جديدة قائمة على الأفكار والمبادئ، وهذا لن يحدث في يوم وليلة، فأفكار الناس تأخذ زمناً حتى تتغير وتأخذ شكلاً آخر.
خلال قرن من الزمن حصل تطور في خطاب المجتمع، وهذا التطور لا بد أن يبنى عليه، لأجل ترسيخ قيم أكثر نفعاً للمجتمع.
لما أعلنت الإمامة سنة 1913م؛ كتب أبو مسلم البهلاني الفقيه والشاعر العُماني قصيدة لا تزال عالقة في أذهان الناس إلى يومنا هذا، وهي القصيدة النونية، يستنهض فيها القبائل في عُمان لنصرة مشروع الإمامة، وكان خطابه قائماً على تعداد مناقب القبائل والمناطق ودورها التاريخي، ورغم أن الفكرة قد تبدو مبررة بمنطق تلك الفترة من الزمن، إلا أن خطاب الناس بقبائلهم ومناطقهم في نصرة مشروع سياسي يعطي مشروعية بناء الدولة على أسس قبلية ومناطقية، والدولة التي تقوم على هذا الأساس لا تعيش زمنها، بل مرحلة سحيقة في التاريخ الإنساني، أضف إلى ذلك أنه يجعلها عرضة للاستقطاب الحاد وفقاً لهذه الانتماءات الضيقة.
ومما قاله أبو مسلم في هذه القصيدة:
انزل فديتك عنها إن وجهتها
تخت الأئمة مذ كانت ومذ كانوا

هنالك انزل وقبل تربة نبتت
بها الخلافة والإيمان إيمان

انزل على عرصات كلها قدس
للحق فيهن أزهار وأفنان

أرض مقدسة قد بوركت وزكت
تنصب فيها من الأنوار معنان

وقال:
فأين أين ذئاب الدو حمتها
بنو تمام ومن ربته جعلان

وأين عنها الجنيبيون أنهم
سعد العشيرة عليا مذحج كانوا

وأين يحمدها الحرث الكرام ففي
عزائم القوم جنات ونيران

وأين همدان والأحساب مشرقة
إذا عك عك وإذ همدان همدان

وأين نار الوغى آل المسيب من
قضاعة وزعيم القوم زهران

وأين معولة قبل الرسول لهم
على مزون أتاوات وتيجان( 27)

بينما سمع العمانيون في البيان الأول للسلطان قابوس بن سعيد يوم تسلمه الحكم في 23 يوليو 1970م؛ مصطلح “شعبي” و”أيها الشعب”، ومنذ ذلك الحين وخطابات السلطان لا تحمل سوى خطاب “شعبنا العزيز” و”أيها المواطنون”(28 )، وانتهت لغة التخاطب بالقبائل والمناطق في لغة السياسة والحكم، (فلا فرق بعد الآن بين الساحل والداخل، وبينهما وبين المقاطعة الجنوبية، فالكل شعب واحد مستقبلاً ومصيراً)(29 ).

1- عائشة السيار، دولة اليعاربة في عمان وشرق أفريقيا، ص129-149.
2- محمد بن إبراهيم الكندي، بيان الشرع، ج68 ص467-468.
3- عبد الله بن حميد السالمي، الحق الجلي في سيرة الشيخ صالح بن علي، ص24. مدرجة بكتاب: عين المصالح من أجوبة الشيخ الصالح. محمد بن عبد الله الخليلي، الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل، ص712-714.
4- محمد بن عامر المعولي، قصص وأخبار جرت في عمان، ص241، 245-246.
5- المرجع السابق، ص255.
6- أحمد بن سعود السيابي، الوسيط في التاريخ العماني، ص189.
7- هذان الحلفان تكونا أواخر عهد اليعاربة، وانقسمت القبائل بحسب انتمائها إلى أحد هذين الحلفين، لكن هذه القسمة أخذت تضعف وتخف حدتها بمرور الزمن.
8- عبد الله بن حميد السالمي، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ج2 ص253.
9- صالح بن سليم الربخي، مقدمة تحقيق كتاب: إغاثة الملهوف بالسيف المذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص19. أحمد بن سعود السيابي، الوسيط في التاريخ العماني، ص190.
10- محمد بن عبد الله السالمي، نهضة الأعيان بحرية الأعيان، ص49.
11- المرجع السابق، ص130.
12- محمد بن عبد الله الحارثي، موسوعة عمان (الوثائق السرية)، المجلد الثاني، ص470-472، ص482.
13- حسين غباش، عمان الديمقراطية الإسلامية، ص309-315.
14- أبو اليقظان الحاج إبراهيم، سليمان الباروني باشا في أطوار حياته، ج2 ص24.
15- المرجع السابق، ج2 ص28.
16- المرجع السابق، ج2 ص28-30.
17- المرجع السابق، ج2 ص30-52.
18- المرجع السابق، ج2 ص49.
19- المرجع السابق، ج2 ص50.
20- المرجع السابق، ج2 ص31-43.
21- المرجع السابق، ج2 ص243-245.
22- المرجع السابق، ج2 ص46.
23- أحمد بن سعود السيابي، الوسيط في التاريخ العماني، ص199-200.
24- حسين غباش، عمان الديمقراطية الإسلامية، ص338.
25- المرجع السابق، ص339.
26- نظام أساسي عماني/17.
27- ناصر بن سالم الرواحي، ديوان أبي مسلم.
28- وزارة الإعلام بسلطنة عمان، كلمات وخطب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، ص15، 213.
29- المرجع السابق، ص15.

التاسع والخمسون سياسة

عن الكاتب

خالد بن مبارك الوهيبي