قبل أعوام اصطحبني أخي احمد إلى الرياض للعلاج حيث سكنا قريبا من مسجد فأضافنا يوما احد المصلين في بيته لما رأي أننا عمانيين و قد كانت له صحبة مع دبلوماسي فاضل من السلطنة قد توفي رحمه الله . عنده التقينا برجل من أهل التعليم ذكر لنا، في سياق الحديث عن جفاء طائفة من سائقي السيارات في تلك المدينة و ضربهم بآداب المرور عرض الحائط ، أن المدرسين السعوديين الذين درسوا في عمان – و اللفظ له: “رجعوا منها يبكون على فراق العمانيين قائلين أنهم اهدأ شعب عرفوه” و قصدهم أنهم قوم غير صخابين لا خشونة فيهم و لا زعارة. و لا غرو فقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك ” و قال فيهم كذلك “لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر” وهي خصال باقية إلى يومنا هذا. لذا رأيت بسبب تشكك جملة من العامة في حديث اشتهر بينهم في فضل عمان ، و بسبب عدم اشتهار الصحابة العمانيين كاشتهار الصحابة اليمانيين إلى حد أن الكتاب العمانيين المعاصرين أنفسهم إذا ذكروا مازن بن غضوبة قلما يعقبون برضي الله عنه كما جرت عادة المسلمين عند الحديث عن الصحابة، أقول رأيت أن اكتب هذه المقالة ليس فقط ليرى إخواني العرب والمسلمين أن عمان لا تقل عن اليمن ذكرا في الحديث و تاريخ الإسلام ولكن أيضا لإظهار فضيلة هذا الشعب العربي المسلم الذي ذهب جزء كبير منه في هذا العصر ، ممن يسكن قلبها التاريخي، ضحية التصنيف و التشويه والأفكار النمطية، و لما عرفته بمخالطتهم من طيب المعشر و متانة الدين و موالاة المسلمين و حسن السمت و كرم الأخلاق و هي خصال لعمري لا تكون إلا في مؤمن و لا تكون في منافق قط. و لعل ذلك يكون باكورة مواضيع أخرى لاحقة اعتزم تحريرها عملا بما قاله الباحث وليد محمود خالص في بحثه عن عمان في لسان العرب لابن منظور: “ وجهت كتب أخرى نظرها إلى عمان، فحفظت أخبارها، وأحوال مجتمعها وأهلها، وعاداتها وما ينبت فيها من زرع، ويعيش فيها من حيوان، ولا نريد بذلك كتب التاريخ، فهذا عملها الأصيل، بل نقصد كتب التفسير، والحديث ومعاجم البلدان ومصادر الأدب، فهذه قدمت أخبارا، ونصوصا لا نجدها في كتب التاريخ، وهذا مما يفتح الباب واسعا لإعادة (قراءة) تلك الكتب قراءة جديدة في سبيل الكشف عن تلك النفائس المتعلقة بعمان (…) وهي مهمة ليست بهينة غير أن العزم والصبر يذللان الصعب“(وليد محمود خالص، عمان في لسان العرب دراسة لغوية حضارية ، http://www.nizwa.com/articles.php?id=714 تاريخ الدخول 4/3/2010).
و قد اعتمدت في موضوع الصحابة العمانيين، غير موضوع شحر عمان، اعتمادا كاملا على الكتابين القيمين: كتاب المؤرخ العراقي الدكتور عبدالرحمن عبد الكريم العاني (تاريخ عمان في العصور الإسلامية الأولى) و كتاب المؤرخ العماني المعاصر الشيخ سيف بن حمود البطاشي ( إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان). و قد رأيت أن ابدأ هذه المقالة بما صح من أحاديث نبوية في عمان وأهلها معرضا عن ما لا يرقى سنده عند المحدثين عن الصحيح و الحسن.
ما جاء في عمان و أهلها من أحاديث
1 – بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى حي من أحياء العرب . فسبوه وضربوه فجاء إلى رسول الله فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك ” (صحيح مسلم – الرقم: 2544).
2- خرج رجل من طاحية مهاجرا يقال له : بيرح بن أسد فقدم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام فرآه عمر فعلم أنه غريب فقال له : ممن أنت ؟ قال : من أهل عمان . قال : نعم . قال : فأخذ بيده فأدخله على أبي بكر رضي الله عنه فقال : هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر بها حي من العرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر.( قال ابن كثير في مسند الفاروق إسناده جيد). و أورد الهيثمي في مجمع الزوائد حديثا مثله برقم: 10/55.
3- لقيت ابن عمر رحمه الله فقال لي ممن أنت قلت من أهل عمان قال من أهل عمان قلت نعم قال أفلا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها أو بجانبيها البحر الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها ( مجمع الزوائد للهيثمي برقم 3/220 و قال: رجاله ثقات).
4- لقيت ابن عمر قال إسحق : فقال لي : ممن أنت ؟ قلت: من أهل عمان، قال: من أهل عمان ؟ قلت: نعم قال: أفلا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بجانبها وقال إسحق : بناحيتها البحر ، الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها ( مسند احمد رقم 7/35 قال المحدث احمد شاكر: إسناده صحيح).
6- أبو شداد رجل من أهل عمان قال : جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما بعد : فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأدوا الزكاة ، وخطو المساجد كذا وكذا وإلا غزوتكم ، قال أبو شداد : فلم نجد من يقرأ علينا ذلك الكتاب ، حتى أصبنا غلاما يقرأ ، فقرأه علينا ، قال عبد العزيز : فقلت لأبي شداد : من كان على عمان يومئذ ؟ قال : أسوار من أساورة كسرى ( مختصر البزار برقم 1/370 قال المحدث ابن الحجر العسقلاني: إسناده حسن).
الصحابة العمانيون
اعتنق أهل عمان الإسلام طوعا من دون قتال و قد عدها الخليفة الراشد ابوبكر الصديق رضي الله عنه فضيلة لهم و هي كذلك إذ تشي بالتوفيق والرشد و السداد.
و قد وردت روايات عدة عن بعثه صلى الله عليه و سلم برسالته إلى عبد و جيفر لكنها تختلف في تاريخها من سنة 6 هجرية أي بعد صلح الحديبية أو سنة 8 هجرية أي بعد فتح مكة أو عند انصرافه صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع، و الرسالة أشهر من إعادة تفصيلها هنا. إلا أن المؤرخ العراقي الدكتور عبدالرحمن عبد الكريم العاني يرجح في كتابه (تاريخ عمان في العصور الإسلامية الأولى) الذي وثقه توثيقا مفصلا أن الرسائل كانت بعد صلح الحديبية رغم ما سبق ذلك من اتصالات فردية كإسلام مازن بن غضوبة و غلامه صالح ابن المتوكل. و يعضد ما ذهب إليه العاني ما ذكره ابن حجر في الإصابة انه لما توجه الرسول صلى الله عليه و سلم يريد مكة في عام الحديبية قدم عليه بشر بن سفيان العتكي (و هو من أزد عمان) فسلم عليه فقال له يا بشر هل عندكم علم أن أهل مكة علمو فقال بشر بابي أنت و أمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا و قريش في أنديتها و اجتمعوا عند الكعبة فتحالفوا و تعاقدوا ألا تدخلها عليهم).
و من العمانيين الذين وفدو على رسول الله وفد أزد عمان الحدان بن شمس و قد وفدو بعد فتح مكة برئاسة عبدالله بن علس الثمالي و مسلية بن هزان الحداني رضي الله عنهما فبايعوا على قومهم و كتب لهم رسول الله كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم هذا نصه: ( كتاب من محمد رسول الله لبادية الأسياف و نازلة الأجواف مما حاذت صحار ليس عليهم في النخل خراص و لا ميكال مطبق حتى يوضح في الفداء و عليهم في كل عشرة اوساق وسق ). و ممن وفد عليه صلى عليه و سلم وفد طاحية برئاسة أسد بن بيرح الطاحي رضي الله عنهم و وفد برئاسة سلمة بن عياذ الازدي في ناس من قومه فاسلموا رضي الله عنهم و ذكر ابن سعد أن أزد دبا اسلموا و قدم وفد لهم على رسول الله فبعث عليهم مصدقا منهم حذيفة بن اليمان الازدي و كتب لهم فرائض الصدقات.
و قد تتبع المؤرخ العماني المعاصر الشيخ سيف بن حمود البطاشي المصادر الإسلامية فأحصى في كتابه القيم ( إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان) الصحابة العمانيين التالية أسمائهم :
مازن بن غضوبة الطائي
صالح بن المتوكل غلام مازن بن غضوبة
كعب بن برشه الطاحي
صحار بن العباس العبدي
أبو شداد الدمائي
أبو صفرة العتكي( أبو المهلب بن أبي صفرة)
عبدالله بن وهب الراسبي
سلمة بن عياذ الازدي
أسد بن بيرح الطاحي
حمامي بن جرو (جد ابن دريد)
عبدالله بن علس الثمالي
مسلية بن هزان الحداني
غير الصحابة المجهولة أسمائهم ممن وفد على النبي صلى الله عليه و سلم مع أسد بن بيرح الطاحي أو مع سلمة بن عياذ الازدي أو مع عبدالله بن علس الثمالي و مسلية بن هزان الحداني رضي الله عنهم أجمعين(2).
مازن بن غضوبة و غلامه صالح رضي الله عنهما
أجمعت الروايات على أن أول من اسلم من أهل عمان هو مازن بن غضوبة الطائي النبهاني السعدي هو و غلامه صالح بن المتوكل رضي الله عنهما وهما من أهل سمائل و كان إسلامهما في سنة ست للهجرة أي قبل إسلام عبد و جيفر ابنا الجلندى ملكي عمان بسنتين مما يعزز ما ذهب إليه المؤرخون بان خلقا من أهل عمان اسلموا قبل إسلام ملكي عمان. و مما ينسب إليه من شعر حين إسلامه قوله:
بالهاشمي هدانا من ضلالتنــا و لم يكن دينه منا على بال
يا راكبا بلغن عمرا و إخوتها إني لمن قال ربي ناجر قال
و ناجر اسم صنم كان يعبد في سمائل.
و من أثار مازن الباقية حتى الآن مسجد المضمار في سمائل الذي بناه سنة ست للهجرة بعد رجوعه من المدينة و هو بذلك أول مسجد في عمان و من أقدم المساجد المعمورة في العالم الإسلامي حيث أعاد بنائه و وسع فيه على نفقته الخاصة سلطان البلاد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله و رعاه. و لمسجد المضمار كرامات ذكرها زيني دحلان في كتابه السيرة النبوية.
قال الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة: قال ابن منده قتل صالح هو و مولاه مازن في خلافة عثمان ببردعة. و قال ابن الأثير في كتاب أسد الغابة: صالح بن المتوكل أبو كثير والد يحي بن أبي كثير مولى مازن بن غضوبة قتل هو و مازن ببردعة و قبراهما هناك. و استنتج المؤرخ الشيخ سيف بن حمود البطاشي من هذه الروايات استشهادهما رضي الله عنهما سنة 25 للهجرة لأنها السنة التي افتتح فيها المسلمون بردعه بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي. و بردعه قرية صغيرة في أقاصي أذربيجان .
و لمازن ذرية سكنت البصرة منهم حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن و ولداه على بن حرب و احمد بن حرب و الثلاثة من رواة الحديث.
أبو صفرة العتكي العماني رضي الله عنه والد المهلب
و هو والد المهلب بن أبي صفره التابعي. قال ابن هشام : و هو معدود في الصحابة. قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: يا رسول الله أن لي ثمانية عشر ذكرا و رزقت بنتا سميتها صفرة. فقال له صلى الله عليه و سلم فأنت أبو صفرة. و قال السيوطي في الخصائص: أن أبا صفرة وفد على النبي. و قد شارك أبو صفرة رضي الله عنه في الفتوحات الإسلامية رئيسا على مئة من قومه من أهل عمان. و توفى في البصرة في خلافة على رضي الله عنه و صلى عليه ابن عباس رضي الله عنهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر أصل هذا المقال في مجلة الثقافية الغراء التي يصدرها شهريا مركز السلطان قابوس للثقافة و العلوم و قد رأيت إعادة نشره لحاجة القراء العمانيين و العرب و المسلمين للقراءة في موضوعه.
* إعلامي عماني و عضو الجمعية التاريخية العمانية HAO.عضو الرابطة الدولية للكتاب العلميين ISWA