(رصد لمظاهر المدنية ودور المستشرقين في توثيقها بفرشاتهم)
كانت ملابس النساء ومازالت مقياساً للثراء والمركز الاجتماعي، وقد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً على مدى التاريخ بالحالة الاقتصادية لموطنها ككل ولصاحبة الزي بوجهٍ خاص؛ ومما يجدر الإشارة إليه أنه من الصعوبة بمكان أن نفصل بين أثر كل من المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على أزياء النساء؛ فهي في الحقيقة نسيج متكامل تفاعلت كل عناصره وتضافرت لتؤثر على الظواهر الاجتماعية بما فيها حياة النساء وأزيائهن؛ ونعرض هنا لمكونات أزياء النساء:
اليلك:
اليلك رداء منزلي يُلبس فوق القميص مشقوق من الأمام حتى الذيل، ويُغلق بأزرار في جزئه العلوي؛ فينطبق على الجسم تماماً ويُبرز تفاصيله، ومفتوح من الجانبين بفتحتين قد تصلان إلى الحرقفتين. والكُمَّان ضيقان ينتهيان عند المعصمين، وقد تُضاف إليهما قطع مستطيلة أو مثلثة تشبه المناديل؛ وكان هذا الثوب محبباً عند النساء من الطبقة العليا والمتوسطة، حيث يظهر مفاتن أجسامهن. ولم يظهر هذا اليلك قبل العصر المملوكي؛ مما يُرجح أن يكون قد أدخله العثمانيون إلى مصر، وشغف به النساء المصريات وأصبح اليلك من أهم مكونات ملابس النساء التي ترتديها داخل المنزل (الحرم) في العصر العثماني.
وقد استخدم اليلك صيفاً وشتاءً، وكان يُصنع في الصيف من الأقمشة الحريرية والقطنية، وفي الشتاء من قماش الصوف والكشمير. ولما كان اليلك موضة جديدة هبطت من العاصمة إسطنبول إلى كل مدن وشعوب الإمبراطورية العثمانية؛ فقد انتشر بين النساء على مختلف مستوياتهن الاجتماعية بدءًا من أميرات القصر والقوادن وعِلية النساء في كل مكان وهبوطاً إلى جميع نساء الطبقة الوسطى والراقصات، ولم يتخلف عن ارتدائه منهن سوى من لم يستطعن إلى ذلك سبيلاً من الفقيرات والعامة، وقد ظهر اليلك في الأعمال الفنية الآتية:
– لوحة الحياة داخل الحرملك (لوحة 1)، لمصور الاستشراق الإنجليزي جون فردريك لويس؛ حيث ترتدي السيدة الجالسة على الأريكة يلك ذا لون أحمر مزخرف، وتتمنطق بشال على الوسط، وتمسك بمروحة يد بيدها، في مظهر يدل على الأبهة والتأنق. كما يظهر التأنق أيضاً في لوحة مدخل الحرملك لجون فردريك لويس؛ إذ ترتدي السيدة يلك ذا لون وردي مشقوق من أعلى، وله حافة باللون الأصفر الذهبي (لوحة 2)، كما يظهر التأنق كذلك في أزياء النساء في لوحة حاملة القهوة (لوحة 3)، وترتدي السيدة قفطان فوقه يلك زُخرف الجزء العلوي منه بزخارف مذهبة قوامها زخارف نباتية على أرضية باللون الزيتوني، في مشهد بدا فيه تألق نساء الشرق بجمالهن الساحر.

جون فردريك لويس (1805-1876), زيت على قماش, 1857م, مجموعة خاصة, عن
– www.artrenewal.com.

المصور جون فردريك لويس (1805-1876) – زيت على خشب – 1857م – محفوظة فى
-The Higgins art gallery & Museums . عن ,

المصور جون فردريك لويس (1805-1876) – زيت على خشب – 1857م – محفوظة فى
– Manchester art gallery, England عن,
www.manchestergalleries.org.
زي التزييرة (من ملابس الخروج):
تُسمى ملابس خروج النساء ” تزييرة ” ولعلها من الزيرة وهي تعني “الزيارة”، وقد رُوعي في ملابس خروج النساء الاحتشام والحجاب، وأن تتوافر فيها الشروط الواجبة بالنسبة للملابس التي ترتديها المرأة المسلمة كما نص عليها القرآن الكريم: ” وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..”[النور 31].
وتشتمل ملابس خروج النساء ( التزييرة ) على السبلة والبرقع والحبرة، وهي:
السَّبْلة:
السبلة بفتح السين وسكون الباء ثوب واسع هفهاف، مصنوع من حرير، يكون عادةً قرنفلي اللون، وقد يكون ذا لون وردي أو بلون بنفسجي، تلبسه النساء في مصر عند الخروج من البيت فوق أثوابهن الأخرى، وهذا الثوب يتدلى حتى يُلامس الأرض، ويُغطي جميع الملابس التي ترتديها المرأة في البيت. واللفظة مشتقة من الفعل أسبل بمعنى طـال واتسع، وهذا الزي ترتديه النساء أيضاً عند ذهابهن إلى الحمام أو القيام بزيارة، ويكاد عرض كُمَّي هذا الثوب يعادل طوله.
البُرْقُع:
البرقع بضم الباء والقاف وسكون الراء والبُرْقَع بضم فسكون ففتح، والجمع براقع وهو حجاب يستر الوجه من جذر الأنف ويُشد إلى زينة الرأس أعلى الجبين ومن كل جانب. وهو قطعة من الموصلي أو من نسيج الكتان الأبيض الرقيق، طوله طول الوجه ويتدلى حتى الركبتين، وهذا الخمار لا غنى عنه للمرأة التي تغادر منزلها.
وقد يُصنع من القماش الأسود الغليظ أو من القماش الأخضر، وقد يزدان ببعض النقود الذهبية أو المعادن النفيسة. والبرقع يغطي وجه المرأة كله إلا عينيها.
وبعد أن ترتدي النساء السبلة؛ كن يضعن البرقع -أي غطاء الوجه- ويثبت من قمته برباط رفيع مثبت في ركني البرقع من أعلى؛ بحيث يمر على جانبي الجبهة ويربط خلف الرأس أو يتصل بالربطة من الجانبين أو يُشد إلى الرأس بشريط ضيق يمر على الجبهة، ويثبت مع طرفي النقاب العلويين بعصابة تلتف حول الرأس.
ونساء الطبقة العليا والمتوسطة يتخذن البراقع من نسيج الحرير أو الكتان الأبيض الناعم، بينما يكون برقع نساء الطبقة العامة من قماش الكريشة الأسود، ولقد راجت صناعة البراقع بمصر بعد أن كثر استعمالها في مصر في العصر العثماني وخُصصت أجزاء من مصانع الحرير في دمياط لصناعة البراقع وتصديرها إلى أسواق الاستهلاك.
الحَبْرَة:
ضرب من برود اليمن مُنمَّر -أي مخطط- والجمع حبر وحبرات، ويُقال لبائعها حبري. وقد أورد صاحب المعجم العربي لأسماء الملابس عن الجبرتي قوله: ” والحَبرة تعني طُرح النساء المحلاوي”.
والحبرة هي أهم مكونات التزييرة، وهي ابتكار عثماني صرف لم يكن شائعاً في مصر قبل العصر العثماني، وهي قطعة كبيرة من القماش من دون تفصيل، مربعة المساحة تقريبًا، طول ضلعها قرابة المترين، وتتكون من عرضين موصولين في المنتصف من قماش الحرير أو التفتاز الأسود، ويُثبت بالخياطة في منتصف الجزء العلوي منها، وعلى بُعد قرابة خمسة عشر سنتيمتراً من حافتها، وفي منتصفها شريط ضيق يدور حول الجبهة ويربط طرفاه خلف الرأس؛ فيثبت الحبرة وتنسدل هذه الحافة لتغطي الجبهة، وتُغطي بقية عرض الحبرة جانبي الوجه وتمتد لتشمل بقية الجسم. وتمسك السيدة طرفي الحبرة من الداخل وتضمهما على ذراعيها لتلف جسمها كله؛ فلا يظهر منها سوى وجهها الذي يغطيه البرقع.
حبرة السيدة المتزوجة من الطبقة العليا والمتوسطة من الحرير السود اللامع، أما نساء الطبقة العامة اللاتي لا يستطعن اقتناء الحبرات الحريرية؛ فهن يتخذنها من قماش القطن، وتُسمى حبرات محلاوي، وهي من إنتاج المحلة الكبرى أو كانوا يتخذونها من نسيج قطني ذي أرضية زرقاء وقد تتكون من قطعتين من القطن المنسوج المزخرف بأشكال مربعة زرقاء وبيضاء أو خطوط متشابكة، وتُصبغ أطرافه باللون الأحمر ويطلق عليه اسم ملاية.
ويظهر زي التزييرة بوضوح في لوحة جامع المارستان (لوحة 4)؛ حيث ترتدي السيدة السبلة واليشمك باللون الأبيض، كما يظهر زي الخروج في لوحة فلاحة مصرية ومعها ابنتها من عمل بريس دافن (لوحة 5)، غير أنه زي بسيط هنا؛ لأنها إحدى نساء العامة، وقد غلبت عليها البساطة.

المصور دافيد روبرتس (1796-1864م) -1842-1849م. عن,
Roberts, Egypt & Nubia, EB009 ,
-http://www.medinaarts.com/ENCat02.htm.
-عكاشة، مصر في عيون الغرباء, كتالوج لوحات ملونة .

المصور بريس دافن (1807-1879م) – زيت على قماش – (1830-1840م) – محفوظة فى متحف فيكتوريا وألبرت بلندن – عن ,
V&A museum.com (2-5-2014).
_____________________________
المصادر والمراجع:
* مدرس الآثار والمسكوكات الإسلامية, كلية الآثار, جامعة الفيوم, مصر.
* للكاتب مقالات بمجلات العربي, الرافد, الإبل, أفكار, والشارقة الثقافية.
– أحمد السعيد سليمان, تأصيل ما ورد فى الجبرتى من الدخيل, دار المعارف, القاهرة, ص 203, آمال المصري, أزياء المرأة فى العصر العثمانى, ط1, دار الآفاق العربية, القاهرة ، 1999م, ص 59.
– علي الطايش, المنسوجات فى مصر العثمانية, مخطوط رسالة ماجستير غير منشورة, مقدمة إلى، كلية الآثار, جامعة القاهرة, المجلد الأول, 1405هـ/1985م, ص 123.
رجب عبد الجواد, المعجم العربي لأسماء الملابس في ضوء المعاجم والنصوص الموثقة من الجاهلية حتي العصر الحديث تقديم : محمود فهمي حجازي، راجعه : عبد الهادي المغازي، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2002م, ص 539.
– آمال المصري, أزياء المرأة فى العصر العثمانى, ط1, دار الآفاق العربية, القاهرة، 1999م, ص 60.
– سكيرس, الثقافة الحضرية في مدن الشرق، (استكشاف للمحيط الداخلى للمنزل)، ترجمة : ليلى الموسوى مطابع السياسة، الكويت، 2004م, ص 119.
– سكيرس, الثقافة الحضرية فى مدن الشرق, ص 119.
– علي الطايش, المنسوجات العثمانية, ص 133.
– سورة النور, آية 31.