عربستـان.. بأي ذنـب وُئدت؟؟


ahwaz

الذاكرة العربية مُلئت بالكثير من المآسي والخيبات التي خلفتها حروب دارت رحاها في أراضيها أو حتى خارج أراضي الوطن العربي ، ولعل الهجمة الاستعمارية الشرسة  بعد الحرب العالمية الأولى كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير ، فقد أدت إلى تجزأته  لعدد من الدويلات المتنافرة تفصل بينها حدود ومذاهب وقوانين أوجدها يد الاحتلال الغربي واغتصب أجزاء عزيزة توشك الآن أن تكون بفعل فاعل في بحر من النسيان والتناسي المتعمد والممنهج من عقول الناشئة والأجيال العربية القادمة ومن الذاكرة العربية بشكل عام.

الصدفة وحدها قادتني إلى لقاء كلمة الأحواز ، بعدها بدأتُ سبر أغوار قصة الدهشة والحسرة والألم .أشهر وأنا أقرأ تاريخ إقليم عربي الجذور والمنشأ ، أنفاسه تعشق الحرية العربية حارب من أجلها ليس فقط أفرادا بل قبائل عربية سكنت الأحواز وتوارثت إلى يومنا المعاصر حلم العودة إلى الوطن العربي الكبير ،استشهد من أجله الكثير والآخرون الذين لم يلحقوا بهم كان ملاذهم العيش في المهجر بعيدا عن جلاديهم أو العودة إلى سجن أبدي أو مقصلة لا تعرف الرحمة والحكم العادل.

الأحواز أو عربستان إقليم عربي الأصول والنسب والهوية واللغة والثقافة ، يقع إلى  الجنوب الشرقي من جمهورية العراق والشمال الشرقي من الوطن العربي ، وقع في أيدي الفرس منذ نيسان\إبريل عام 1925م .وقبلها تعرضت منطقة جنوب غربي آسيا والتي تقع عربستان في جزء منها للسيطرة العثمانية ، ونازعتها الدولة الفارسية في الاستحواذِ على تلك الأراضي ، ولكن الأخيرة وتحت ظل ظروف التفاهم الاستعماري بين الفرس والعثمانيين  والضغوط والأطماع الأجنبية المتمثلة في حكومة بريطانيا الساعية لاستغلال الموقع الاستراتيجي لأقليم عربستان والسيطرة على خيراته التي ينعدم وجودها في أراضي إيران الجبلية [A1] نجحت في ضم عربستان الى أراضيها متجاهلة الأعراف والقوانين الدولية التي تنادي بقانون حق المصير الذي شطب وألغي على أبناء هذا الأقليم والذي تعرض بعد عام 1925 الى حملة من التفريس في محاولة بائسة لطمس الهوية والحضارة العربية لهذا الأقليم .

أهالي هذا البلد والتي ترجع أصولهم لقبائل عربية تستوطن دول الخليج وباقي الوطن العربي ولعل أشهرها بنو كعب وتميم وبنو حنظلة وبنو طرف يتعرضون الآن لحياة من الحرمان والظلم التعسفي ، شمل حتى أساسيات حقوق الإنسان الطبيعية كالمسكن والماء النظيف وحق التعليم ومنع استخدام اللغة العربية في المدارس القليلة وحرية التنقل والسفر ، فلقد ألغى مجلس الوزراء الفارسي جوازات السفر الدراسية للطلاب العرب ، ومنع اعطاء جواز سفر لأي عربي يرغب في السفر إلى الأقطار العربية ؛ وبذلك تمنع الدول العربية أي لاجئ عربي أحوازي من دخول أراضيها وبهذا القانون الظالم تتخلى الحكومات العربية عن جزء من كرامتها وقوميتها التي يدافع عنها هؤلاء في بلادهم.

إن الحقائق التاريخية والحضارية والجغرافية والاقتصادية  تؤكد بصورة قاطعة لا تقبل الشك عروبة الأحواز أو كما أطلق عليها الفرس بأنفسهم “عربستان” ، والتي معناها بلاد العرب وهذا اعتراف منهم بعروبة هذا الإقليم المغتصب من الوطن العربي ,وفي هذه العجالة سأسرد لكم بعض الحقائق وأترك الباقي لكم للبحث عنها في تاريخ هذا البلد وأمنية من قلب عربي لسردها بين صناع القرار والساسة العرب .

ذكر السير أرنولد ولسن فى مذكراته أن ( عربستان تختلف عن إيران اختلاف ألمانيا عن أسبانيا ) فالأحواز تعتبر امتدادا طبيعيا لشط العرب وغابات النخيل التي تمتد مع أراضي العراق التي تغذيها نهري دجلة والفرات ، وساهمت مساهمة فعالة مع أنهارعربستان وأشهرها نهر كارون وكرخه والجراحي في تكوين وحدة اقتصادية متمثلة في تبادل الحاصلات الزراعية ، وبالتالي البضائع الاقتصادية عن طريق البصرة مرورا إلى العراق والوطن العربي .
أما إيران فهي عبارة عن هضبة تحيط بها حواف من السلاسل الجبلية الضخمة تفصلها عن جميع جهاتها تقريبا ، ولا سيما القسم المحاذي لعربستان المتصلة اتصالا طبيعيا بالوطن العربي وتفصلها عن الفرس سلاسل جبلية شاهقة وأودية وعرة.

ولما جاء العهد البترولي أكد بصورة لا تقبل الشك الوحدة الاقتصادية بين ضفتي شط العرب ، فقد كشف أن الضفتين مثقلتان بكنوز الذهب الأسود(80%من نفط إيران يتم تصديره من مدينة عبادان أحد أهم مدن الأحواز) فى حين تفتقر أراضي إيران كلها له . وهذا ما دفع بالرأسمالين الأوربيين أن يخصوا عربستان باهتمامهم ؛ باعتبارها منطقة خصبة للأستغلال التجاري والصناعي .كما أن المظاهر الحضارية لأبناء عربستان المتمثلة في اللغة والعادات والتقاليد وكذلك الزي وأنماط الأكل والملبس لا تخدع الرائي بعروبة سكانها وارتباطهم القومي والحضاري بالوطن العربي .

عربستان اليوم بعيدة كل البعد وغريبة عن الذاكرة العربية ولم يتم إدراجهها كأحد القضايا العربية المصيرية في أجندة الجامعة العربية ، ولكن الأدهى من ذلك هو التهميش المتعمد لهذه الأقلية وسقوطها من ذاكرة الأجيال العربية وغياب قضيتهها في كتب التاريخ ، وفي مناهجها التعليمية .
كل هذا ساعد الدولة الفارسية في زيادة البطش وتفريغ الحقد الأزلي والتاريخي ضد العرب وحرمان سكان عربستان من أبسط الحقوق التي تنادي بها الشرائع والقوانين الإلهية والإنسانية .. لكن إذا جاء يوم وسألتنا فيه عربستان بأي ذنب وُئدت؟!! ماذا ستكون الإجابة؟!!


[A1]دمج بين مصالح بريطانيا وإيران

العدد العاشر سياسة

عن الكاتب

ليلى عامر